الدول العربية, التقارير

حينما تَسللتُ إلى المسجد الأقصى (صورة قلمية)

يروى مراسل وكالة الأناضول في الضفة الغربية، قيس أبو سمرة، تفاصيل اضطراره للتسلل إلى مدينة القدس المحتلة، لأداء صلاة الجمعة الماضية، رغم المخاطر الجمة.

26.04.2021 - محدث : 28.04.2021
حينما تَسللتُ إلى المسجد الأقصى (صورة قلمية)

Ramallah

رام الله/ قيس أبو سمرة/ الأناضول-

لا أنكر أنني شعرت بالقلق، حينما قررت خوض تجربة "التسلل"، من الضفة الغربية، إلى مدينة القدس لأداء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، فنهايتها قد يكون السجن الإسرائيلي؛ ولكن، ولأن الأمر يستحق، قررت المغامرة.
عند الساعة الخامسة فجرا بالتوقيت المحلي، شدّدت الرحال نحو "أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين"، رغم عدم حصولي على (التصريح المستحيل) من سلطات الاحتلال الإسرائيلية.

وبالإضافة للتصريح، تضع إسرائيل شرطا تعجيزيا أمام الراغب بالصلاة في "الأقصى" وهو الحصول على لقاح مضاد لفيروس كورونا؛ وهو أمر غير متوفر حاليا، إلا للمرضى وكبار السن، وبعض الفئات المحددة مثل الطواقم الطبية والتعليمية.

تبدأ الطريق من المرور عبر فتحات أحدثها عمال فلسطينيون على امتداد جدار الفصل الإسرائيلي، منتشرة في عدة مواقع بالضفة الغربية.

يقال إن السلطات الإسرائيلية تغض البصر عنها (نسبيا) لحاجتها الكبيرة للعمالة الفلسطينية الرخيصة.

سلكت واثنين من رفاقي، إحدى تلك الفتحات جنوبي مدينة قلقيلية، شمالي الضفة، جنبا إلى جنب، مع عشرات العمال، لتُقلنا مركبات من هناك، إلى المدينة المقدسة.

الساعة السابعة صباحا، تحطّ المركبة في باب العامود، أحد أشهر أبواب المدينة، والذي يشهد منذ السبت مواجهات بين عشرات الشبان الفلسطينيين من جهة، والشرطة الإسرائيلية والمستوطنين من جهة ثانية.

يقول سائق المركبة: "أغلَقوا الطرقات، انتبهوا، سيروا كل ثلاثة معا ليس أكثر، حتى لا يلتفتوا (يقصد عناصر الشرطة) لكم".

قبل الترجل من الحافلة، شاهدَتْ العينُ، القبة الذهبية، كأنها فتحت ذراعيها مُرحبة.

بدت ساحة باب العامود، كأنها ميدان حرب، آثار حرائق ودمار، وحجارة في كل مكان، حيث شهدت طوال ساعات الليل، مواجهات بين الفلسطينيين والشرطة.

كأن المدينة نائمة، لكن مئات الجنود ينتشرون في الأرجاء، يقول أحدنا "ندعو الله أن يعتقدوا أننا من سكان القدس، وألا يلتفتوا لنا في هذه الساعة المبكرة".

نزولا على درجات باب العامود نحو القدس العتيقة، يصطف عشرات الجنود في الجانبين، لا مفر من المرور بينهم.

تُسجل كاميرات المراقبة الإسرائيلية المنتشرة في كل مكان، كل حركة، في المدينة التي احتلتها إسرائيل عام 1967.

أزاح جندي حاجزا حديديا يفصلهم عن المارة وهمّ بالخروج، وتبعه آخر، متحدثا باللغة العبرية.

"إنها لحظة الاعتقال ودخول السجن"، أقول في نفسي، لكنهما انطلقا أمامنا حتى نقطة عسكرية أخرى، وانعطفا في إحدى الأزقة.

تجاوزنا باب العمود، وأصبحنا الآن في أسواق القدس العتيقة، أعين الجنود ترقبنا في كل بضعة أمتار، لكن شوق الفؤاد، يجذبك نحو المسجد الأقصى.

كل حاجز عسكري، في أزقة المدينة كان بمثابة السجن، وتجاوُزه موعد مع الحرية، والدقائق التي نقفها عليه، كأنها دهر.

في الزقاق يقول رجل: "(المسجد) الأقصى من هنا".

كأن الفؤاد من يخطو الخطوات، بل إنه يركض، بين فوهات البنادق وأعين الجنود التي ترقبنا.

في المقدمة، شاب يحمل حقيبة، هرع جندي نحونا قائلا "توقف توقف، هات الشنطة".

مررت بجوارهم منتظرا أن يطلب مني أن أتوقف، ففي يدي كيس بداخله سجادة صلاة، "لا محال سيوقفني ويكتشف هويتي"، قلت في نفسي

مرة أخرى، شعرت أن حرارة جسدي ارتفعت، لا أعلم كيف مرت تلك اللحظات العصيبة، وانتهت وصولا إلى المسجد الأقصى بسلام.

الخطوة الأولى داخل المسجد -بعد أن تخطينا آخِر مجموعة من الجنود المنتشرين- كانت مختلفة: تنفسنا الصعداء، البعض خرّ ساجدا، والبعض ركض نحو قبة الصخرة الذهبية يلتقط صورا ذاتية عبر الهاتف "سِلفي".

بضع عشرات من المصلين في المسجد فقط، وبضع عشرات نيام في المسجد القِبلي المسقوف (أحد مُصليات الأقصى)، فأهل القدس وفلسطينيو الـ48، يصلّون فجر الجمعة في المسجد، ويرقدون في انتظار صلاة الجمعة.

قبل الاكتظاظ، تكون فرصة ذهبية للتجول في كل مرافق المسجد من ساحات ومساجد وقباب، ومصليات.

رغم الحواجز العسكرية التي عملت على إعاقة وصول المصلين، إلا أن التوافد لم ينقطع إلى المسجد، وتقول دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس (تابعة للحكومة الأردنية) إن نحو 60 ألف مصل أدوا صلاة الجمعة.

العدد منخفض مقارنة مع سنوات سابقة؛ بعد أن منعت إسرائيل الغالبية العظمى من فلسطينيي الضفة من الوصول للقدس.

أما سكان قطاع غزة، فهم ممنوعون منذ سنوات طويلة من دخول القدس.

كثير من فلسطيني الضفة الغربية، يعرفون في القدس، المسجد الأقصى فقط، يأتون للصلاة ثم يغادرون؛ لكنّ رحلة غير عادية قد تأسرك -لو سنحت الفرصة- بالتجوال في عدد من أحيائها، كوادي الجوز، وحي الشيخ جراح، وجبل الزيتون وغيرها.

في جبل الزيتون، المشهد مختلف، فالمسجد الأقصى بمصلياته وقبابه وساحاته يتجلى، لا تتوقف عن أخذ الصور التذكارية؛ قد لا تتكرر الفرصة.

للإفطار في مدينة القدس، وفي رحاب المسجد الأقصى طعم مختلف، حيث يمتزج صوت الأذان مع مدفع رمضان.

وكثيرا ما تفطر العائلات المقدسية على وجبة "المقلوبة" في ساحات الأقصى.

وللمقلوبة (طعام يحتوي على أرز ولحم ويطهى بطريقة خاصة)، حكاية تعود إلى زمن تحرير القدس، على يد الناصر صلاح الدين الأيوبي.

تبدو المدينة وأزقتها وشوارعها، في أجمل حُلة، حيث تزينت بإنارة رمضان.

ويقول أهل القدس إن باب حِطّة (أحد أبواب المسجد الأقصى) يتميز بزينة رمضانية بهية دون غيره.

جمال المسجد ليلا، هو الآخر، يأسر القلوب والعقول، فقبته الذهبية المضاءة تعانق السماء مُسبّحة.

تقول دائرة الأوقاف، إن نحو 75 الف أدوا صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى، في الجمعة الثانية من رمضان.

ولكل بداية نهاية، لكن الحكاية في القدس لا تنتهي.

بعد انتهاء صلاة التراويح، يُشعل شبان القدس نار المواجهة مع الشرطة المنتشرة في كافة الأحياء، ليعلنوا أن للحكاية بقية.

ونغادر المدينة، على أمل العودة قريبا.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.