الدول العربية

وعينها على السد الإثيوبي..القاهرة تنشط إفريقياً لتحقيق 4 أهداف (خبراء)

تتمثل في استمرار العلاقات مع الدول الإفريقية ومواجهة الظهور الخليجي في إثيوبيا وتخفيف الأزمة مع أديس أبابا و"لملمة" بعض المياه

Hussein Mahmoud Ragab Elkabany  | 17.01.2017 - محدث : 17.01.2017
وعينها على السد الإثيوبي..القاهرة تنشط إفريقياً لتحقيق 4 أهداف (خبراء)

Al Qahirah

القاهرة/ حسين القباني - محمد الريس/ الأناضول

منذ اتهام إثيوبيا لمصر، في أكتوبر/ تشرين أول الماضي، بالتدخل في شؤونها ودعم المعارضة الإثيوبية، يبرز نشاط مصري متصاعد، عبر زيارات ولقاءات مكثفة لمسؤولين مصريين مع نظرائهم في دول إفريقية، بينها دول في حوض نهر النيل، الذي تخشى القاهرة تأثر حصتها من مياهه سلبا؛ بسبب سد "النهضة"، الذي تقيمه إثيوبيا.

هذا النشاط المكثف، ووفق أحاديث مختصين مصريين في ملف المياه والشأن الدبلوماسي للأناضول، تسعى مصر من خلاله إلى تحقيق أربعة أهداف، هي: استمرار العلاقات المصرية الإفريقية، ومواجهة الظهور الخليجي في إثيوبيا، وإبداء حسن النية لتخفيف الأزمة المعلنة بين القاهرة وأديس أبابا، فضلا عن محاولة "لملمة المياه" من دول إفريقية؛ على أمل تفادي أي تأثير ضار محتمل من السد الإثيوبي.

وتتزامن التحركات المصرية المكثفة تجاه إفريقيا مع زيارة وفد سعودي رفيع المستوى لإثيوبيا، وحديث عن تعاون بين الرياض، أكبر عاصمة خليجية، وأديس أبابا، وسط خلاف قوي شبه مكتوم بين مصر والسعودية بسبب تباين المواقف في ملفات، منها الأزمة السورية.

وفي 2 أبريل/نيسان 2011، بدأت إثيوبيا إنشاء سد "النهضة" على النيل الأزرق في مدينة "قوبا" بإقليم "بني شنقول- جمز"، على الحدود الإثيوبية-السودانية، على بعد أكثر من 980 كيلومترا، من العاصمة أديس أبابا، ويفترض اكتمال تنفيذه في 17 يونيو/حزيران 2017.

وبينما تتخوف مصر من احتمال تأثير السد على حصتها السنوية من مياه النيل، البالغة نحو 55.5 مليار متر مكعب، تقول إثيوبيا إن السد سيمثل نفعا لها، خاصة في مجال توليد الطاقة، ولن يضر دولتي المصب، وهما السودان ومصر.

تطويق أزمة وعلاقات متصاعدة

في 20 ستبمبر/ أيلول الماضي، وقعت مصر والسودان وإثيوبيا اتفاقية الدراسات الفنية حول تأثيرات سد "النهضة"، والتي تستمر 11 شهرا. بعدها بشهر، وتحديدا يوم 10 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، وجهت إثيوبيا اتهامات إلى مصر وإريتريا بـ"دعم المعارضة المسلحة" في إثيوبيا؛ بهدف منع استكمال بناء السد، وهو ما نفته القاهرة.

وفي نوفمبر/تشرين ثان الماضي، حضر وزير الخارجية المصري، سامح شكري، قمة إفريقية في أديبس أبابا، والتقى على هامشها مع مسؤولين إثيوبيين، لتوضيح المواقف المصرية، والمطالبة بالإفراج عن ثلاثة مصريين تم توقيفهم في إثيوبيا، على خليفة احتجاجات مناهضة للحكومة.

ونهاية الشهر ذاته، التقى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في القاهرة، مع رئيس إريتريا، أسياس أفورقي، وشدد على أن سياسة مصر الخارجية تقوم على "عدم التدخل فى شؤون الدول الأخرى".

وخلال ديسمبر/ كانون أول الماضي، استقبل السيسي في القاهرة وزراء المياه والري بدول السودان، وتنزانيا، وأوغندا، وجنوب السودان، وبوروندي.

وفي الشهر نفسه، توجه السيسي إلى أوغندا، في زيارة وصفت بـ"المفاجئة"، غداة زيارة مستشار العاهل السعودي بالديوان الملكي، أحمد الخطيب، لسد "النهضة"، وهي زيارة تلتها أخرى قطرية.

مع أوغندا، ناقشت مصر مشروع الربط بين بحيرة فيكتوريا (أكبر بحيرات وسط إفريقيا) والبحر الأبيض المتوسط عبر نهر النيل، وهو مشروع تدعمه القاهرة سعيا إلى الاستفادة من النهر، حيث يتيح هذا الممر سهولة في نقل البضائع والسلع والمنتجات الزراعية والحيوانية بين دول حوض النيل الـ11.

ويوم الخميس الماضي، توجه مساعد السيسي للمشروعات القومية، إبراهيم محلب، إلى مالى فى زيارة يشارك خلالها فى فعاليات قمة "إفريقيا ــ فرنسا"، التي بدأت أعمالها يوم الجمعة الماضي. وقبلها بأيام كان محلب نائبا عن السيسي في حفل تنصيب الرئيس الغاني، نانا اكوفو-ادو.

وفي 3 يناير/ كانون ثان الجاري، اقترح وزير الخارجية المصري عقد لقاء مع نظيريه الإثيوبي، ورقني جبيوه، والسوداني، إبراهيم الغندور؛ لاستكمال محادثات السد، قبيل انعقاد الدورة الـ28 للقمة الإفريقية، بين يومي 22و31 من الشهر الجاري، والتي تركز على الدعوة إلى "تسخير العائد الديموغرافي من خلال الاستثمار في الشباب".

أهداف القاهرة

التحركات المصرية الأخيرة والمكثفة في إفريقيا تسعى، وفق خبراء، إلى تحقيق ثلاثة أهداف، أحدها استراتيجي، وهو استمرار العلاقات المصرية الإفريقية، أما الآخران فمتعلقان بمعالجات تكتيكية سريعة بعد الظهور الخليجي في إثيوبيا، وإبداء القاهرة حسن النية لتخفيف أزمتها المعلنة مع إثيوبيا.

وبحسب منى عمر، مساعدة وزير الخارجية المصري للشؤون الإفريقية سابقا، وهاني رسلان، رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجي (حكومي)، في حديثين للأناضول، فإن التحركات المصرية الأخيرة تأتي ضمن استراتيجية مصر المتواصلة تجاه إفريقيا عامة، ودول حوض النيل بشكل خاص.

عمر شددت على أن "الزيارات المتبادلة بين القاهرة ودول حوض النيل لم تتوقف، حتى في ظل السنوات التي وصفت فيها العلاقات بالسطحية، إبان عهد الرئيس (المصري) الأسبق، حسني مبارك (1981- 2011)".

بينما اعتبر ضياء القوصي، خبير المياه ومستشار وزير الموارد المائية المصري سابقا، في حديث للأناضول، أن "تحركات القاهرة الأخيرة متعلقة بظهور خليجي في إفريقيا، ولا سيما إثيوبيا، فبالتزامن مع التحركات المصرية يوجد تحرك قطري سعودي مماثل لم تكشف البيانات الرسمية عن تفاصيله، وإن كان مستغرقا في الحديث عن العلاقات الثنائية".

أما مغاورى شحاتة دياب، وهو أكاديمي مصري متخصص في مصادر المياه، ورئيس مجلس إدارة "الجمعية العربية للمياه الصحية" (غير حكومية)، فرأى أن النشاط المصري تجاه إفريقيا يأتي في إطار "محاولة تحسين العلاقات بين مصر وإثيوبيا، بعد أن ساءت في الفترة الأخيرة، خاصة مع اتهام مصريين بالوقوف وراء مظاهرات معارضة في أديس أبابا".

دياب أضاف، في حديث للأناضول، أن "هذا ربما احتاج من مصر إجراء اتصالات وحوارات مع بعض الدول الإفريقية لتأكيد عدم وجود أي دور مصري في احتجاجات إثيوبيا.. وبالتأكيد حرص مصر على علاقات جيدة مع إثيوبيا، عبر توضيح حسن النية، يقف ورائه قضية المياه".

خطة بديلة

تكثيف مصر لعلاقاتها مع العديد من الدول الإفريقية اعتبر السفير المصري المتقاعد، إبراهيم يسري، في حديث للأناضول، أنه "ربما يكون خطة بديلة، أتمنى أن تكون ضمن أوراق ضغط على إثيوبيا".

لكن السفيرة مني عمر استبعدت هذا الطرح، معتبرة أنه "غير المعقول أن تكون التحركات المصرية نوعا من الضغط على حكومة أديس أبابا، فتعاملات مصر المائية مع إثيوبيا تبلغ نحو 89 %، أما النسبة المتبقية مع بقية دول حوض النيل فلا تصلح مجتمعة أن تكون بديلة، وهو ما ارتأته السلطة المصرية تاريخيا، ونجحت في توطيد العلاقات مع إثيوبيا".

وبنظرة متفائلة، اعتبرت أن الوثيقة الثلاثية وتصريحات المسؤولين في أديس أبابا تضمن عدم تضرر مصر من سد "النهضة".

وفي مارس/آذار 2015، وقعت مصر والسودان وإثيوبيا، في العاصمة السودانية الخرطوم، وثيقة إعلان مبادئ السد، وتعني ضمنيا الموافقة على استكمال إجراءات بناء السد، مع إجراء دراسات فنية لحماية الحصص المائية من نهر النيل للدول الثلاث التي يمر بها.

متفقا مع الدبلوماسية المصرية، قال الخبير المائي مغاوري دياب: "أستبعد أن تكون الزيارات تهدف إلى طلب ضغط على إثيوبيا، فالدول التي زارتها مصر ليس لديها مواقف تجاه أديس أبابا يمكن لها أن تحقق نتائج من هذا الضغط، فالسد يتم بناؤه ولن يتوقف".

وداعما سيناريو آخر، مضى دياب قائلا إن "حسن العلاقات يسهل دائما المفاوضات، فإثيوبيا دولة محورية في المياه، ولا يمكن القبول بتوتر العلاقات معها أو تخريبها.. لا بديل عن المفاوضات في ملف السد في ضوء ما نراه حتى الآن".

فيما وصف عبد الله الأشعل، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، في تصريح للأناضول، التحركات المصرية في إفريقيا بأنها "حمل خارج الرحم"، معتبرا أن "مصر ليس لديها رؤية شاملة للحل، ولا خطط بديلة، والتحركات ليست منسجمة ولا توحي بجديد".

لملمة مياه

وحول أوجه الاستفادة المحتملة لمصر من تحركاتها الإفريقية الأخيرة، أجاب دياب بأن "القاهرة ربما تسعى إلى تدخل بعض الدول لدى إثيوبيا لدعم مسألة عملية تقسيط خصم المياه، التي تمر لمصر من خلال فتحات سد النهضة ونظام التشغيل، مع بدء ملء السد أو بعدها، وهذا أمر مهم".

وعن مباحثات مصر مع أوغندا بشأن بحيرة فكتوريا، قال إن "أي مشروعات علي النيل الأبيض، ومنها أوغندا أو بحيرة فكتوريا ومنطقة بحر الجبل، لم تكن في أي وقت بديلا عن المياه في حوض نهر النيل الأزرق؛ لأن كميات الأولى متواضعة".

وموضحا، تابع أنه "لو حاولنا زيادة مقدار مرور المياه من هذه المنطقة، بالتعاون مع أوغندا ودول منطقة البحيرات، فلن تزيد عن ثلاثة مليارات متر معكب سنويا.. هي لا تنفع بديلا عن النيل الأرزق، لكن تمثل إضافة لمشروعات أعالي النيل".

وراصدا هدفا رابعا للتحركات المصرية المكثفة في الفترة الأخيرة، قال دياب إنها "في النهاية محاولة مصرية للملمة المياه؛ لتفادي أي تأثير ضار محتمل من سد النهضة، وهو مسار مواز، بجانب محاولات مصر وقف إهدار المياه وتلويثها وإعادة تقسيم سياستنا المائية في الجانب الزراعي، وإدراك أهمية توفير مياه في المستقبل، كما يتم في مسار تحلية مياه البحر، وهذا كله في اتجاه تعظيم الاستفادة من مواردنا المائية".

وبشأن مدى جدوى هذه المسارات الموازية لمواجهة الآثار المحتملة للسد الإثيوبي، قال القوصي إن "السد لو امتلأ في سنة أو سنتين، فستتأثر مصر تأثر بالغا، لكن لو امتلأ في 20 عاما، فلن تتأثر.. وتقرير اللجنة الاستشارية، التي تجري الدراسات الفنية، سيكون فيصلا في هذا الشأن.. لكن على مصر البحث مبكرا عن مسارات في ضوء دراسة الواقع جيدا".

مستقبل ملف السد

وحول مستقبل ملف سد النهضة الإثيوبي، دعا يسري، الذي أقام مؤخرا دعوى قضائية تطالب بإلغاء الاتفاقية الأساسية للسد الموقعة عام 2015، إلى "أن يكون سيناريو التحكيم الدولي في ضمن أوراق الضغط المستقبلية على أديس أبابا، التي تهدد أمن مصر المائي".

فيما رأى رسلان أن الأزمة ستشهد "صراعا لن يصل إلى حرب"، معتبرا أن "إثيوبيا لا تبدي نية حسنة في ملف السد، عبر المماطلة والتجاهل.. التعاون لا يبدو طريقه معبدا".

بينما شدد الأشعل على أهمية أن يشمل التحرك المصري تفعيل الاتفاقية الإطارية، التي تبنتها الأمم المتحدة عام 1997، وتتعلق بحقوق المجاري المائية بين البلدان، بما يضمن حقوق مصر المائية.

ومنتقدا سياسية مصر الراهنة في ملف السد، دعا الأشعل إلى "تشكيل لجنة مصرية تضم مختلف الخبراء والمتخصصين للتعبير عن رأي شامل في حل أزمة سد النهضة، لا يتوقف على مجرد زيارات ومقابلات لا قيمة لها".

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın