أفريقيا, أخبار تحليلية

"جامع" يلحق بـ"غباغبو".. درس إفريقي جديد للمتشبّثين بالحكم

تختلف الأماكن لتجتمع عند محطات فاصلة وفارقة في التاريخ المعاصر لغرب إفريقيا

Leila Thabti  | 24.01.2017 - محدث : 24.01.2017
"جامع" يلحق بـ"غباغبو".. درس إفريقي جديد للمتشبّثين بالحكم

Gambia

منير منير / الأناضول

من غامبيا إلى كوت ديفوار، مرورا بغينيا كوناكري، وصولا إلى بوركينا فاسو.. تختلف الأماكن لتجتمع عند محطات فاصلة وفارقة في التاريخ المعاصر لغرب إفريقيا، تشمل على وجه الخصوص الأزمات التي شهدتها بسبب تشبّث رؤسائها بالحكم.

ومع أن التشبّث بالحكم يعتبر من المسائل المألوفة في إفريقيا عموما، إلا أن الأزمة التي شهدتها غامبيا مؤخرا على خلفية رفض رئيسها السابق، يحي جامع، التخلي عن الحكم، ونظيرتها التي هزت كوت ديفوار عامي 2010 و2011، تختزل من نقاط التشابه والاختلاف ما يرشحها لأن تصنع وضعية مقارنة بأبعاد متعددة ومختلفة.

ففي غامبيا، أجبرت الضغوط الدولية والإفريقية رئيسها السابق، يحي جامع، الجمعة الماضي، على التنحي عن السلطة بعد 22 عاما من تولّيها، والرضوخ لنتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في ديسمبر/كانون أول الماضي، وأفرزت فوز المعارض آدامو بارو.

إصرار على البقاء في الحكم دفع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" إلى قيادة وساطة لوضع حلّ للأزمة الغامبية، رافقتها مساعي مماثلة من الرئيسين الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، والغيني ألفا كوندي.

مشهد لا يختلف في بداياته على الأقل مع ما حدث في كوت ديفوار (ساحل العاج)، في 2010 و2011، خلال ما عرف إعلاميا بأزمة ما بعد الإنتخابات، حين رفض الرئيس حينها لوران غباغبو (2000- 2011)، الاعتراف بهزيمته أمام الحسن واتارا.

ورغم الضغوط والتهديدات الإفريقية والدولية بتعليق الدعم له في حال عدم تسليمه الحكم، تمسّك غباغبو بأحقيته في الحكم لولاية رئاسية جديدة.

تشابه في الوضعيات يقف عند البدايات، ليفسح المجال لاختلاف عميق كان لا بد وأن يقود إلى نتائج مختلفة بذات الدرجة من العمق.

ففي غامبيا، تجاوزت جهود "ايكواس" مرحلة التهديد باللجوء إلى القوة، واجتازت قواتها بالفعل، الخميس الماضي، الحدود الغامبية باتجاه العاصمة بانجول، قبل أن تتوقّف لتمنح جامع مهلة أخيرة حتى منتصف يوم الجمعة الماضي، لتسليم الحكم أو إجباره على فعل ذلك.

أما في كوت ديفوار، فقد توقّف الأمر عند التهديد دون أن يتعدّاه لتدخل عسكري ولو جزئي أو مرحلي؛ حيث هدد رؤساء دول "الإيكواس" المجتمعين في العاصمة النيجيرية أبوجا في 24 ديسمبر/كانون أول 2010، باللجوء إلى القوة لإجبار غباغبو على التخلي عن السلطة لفائدة واتارا.

اختلاف صنع نهايات مختلفة للحالتين، فجامع غادر منذ يومين على طائرة خاصة، بعد أن حظي بمراسم وداع رسمية، وبوداع "مؤثّر" من طرف المقرّبين منه وأنصاره ممن احتشدوا، مساء السبت الماضي، في مطار بانجول الدولي، لتوديع رئيسهم السابق الذي توقّف على مدرج الطائرة، مرتديا زيه الأبيض المعتاد، وممسكا بيده مصحفا وسبحة.

إحداثيات تبدو بعيدة كل البعد عن نهاية غباغبو الذي اعتقلته وزوجته سيمون، القوات الإيفوارية التابعة لواتارا، في 11 أبريل/ نيسان 2011، في مقر إقامته بأبيدجان، العاصمة الاقتصادية للبلاد.

جامع، غادر متوجها إلى غينيا كوناكري المجاورة ومنها إلى غينيا الإستوائية، منفاه الإختياري، بعد حصوله على ضمانات بعدم ملاحقته وأعوانه قضائيا. أما غباغبو، فغادر منزله إلى السجن، قبل تسليمه في 29 نوفمبر/تشرين ثان 2011 إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، ليواجه اتهامات بارتكاب "جرائم حرب"، و"جرائم ضد الإنسانية".

بعض المراقبين يرجعون اختلاف النهايات رغم تشابه الوضعيات بين كوت ديفوار وغامبيا إلى الاستفادة التاريخية التي قد تكون التجربة الإيفوارية منحتها لنظيرتها الغامبية، بمعنى أن جامع وجد نفسه مجبرا، من جهة، على الرضوخ للضغوطات الإقليمية والدولية، ومن جهة أخرى على تفادي حرب أهلية شبيهة بتلك التي أفضى إليها تعنّت غباغبو، وأدت إلى مقتل أكثر من 3 آلاف إيفواري، حسب الأمم المتحدة.

فسيناريو العنف الذي غالبا ما ينتهي بمجازر في منطقة غرب إفريقيا المثقلة بالنزاعات والأزمات، قد يكون خيّم على ذهن جامع، مع ما يحمله ذلك من تداعيات تفتح الطريق نحو المثول أمام محكمة دولية لم تحاكم منذ تأسيسها في 2002، إلا شخصيات إفريقية.

طرح يرجح المطلعون على الشأن الإفريقي أنه ساهم بشكل أو بآخر في بلورة القرار الأخير لجامع بالتنحي عن السلطة والفوز بفرصة الإقامة بمنفي اختياري مكتمل الضمانات.

جامع انتهى على مدرج طائرة ملوّحا بابتسامة جاهد من أجل أن تكون عريضة، وغباغبو انتهى معتقلا بقميص نومه.. وما بين المشهدين، تتالى سلسلة من الفصول المشابهة في منطقة غرب إفريقيا وفي مختلف أرجاء القارة السمراء.

نهايات بتفاصيل مختلفة، غير أن المراقبين يجزمون بأنها تصنع عهدا جديدا في إفريقيا؛ حيث أضحت للشعوب كلمتها في تحديد مسارها، وإجبار قادتها المتشبثين بالسلطة على التنحي وتكريس مبدأ التداول على الحكم.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın