الدول العربية

استهداف "داعش" لمسيحيي سيناء .. هروب إلى الأمام؟

استهداف المسيحيين في سيناء خلف عمليات نزوح مسيحية أثارت استنكارا واسعا بمصر

Hussein Mahmoud Ragab Elkabany  | 27.02.2017 - محدث : 27.02.2017
استهداف "داعش" لمسيحيي سيناء .. هروب إلى الأمام؟

Al Qahirah

القاهرة / حسين القباني/ الأناضول-

شهدت سيناء المصرية، خلال الأيام الماضية، تحولا في خيارات تنظيم "داعش" الإرهابي باستهداف المسيحيين، بعيدا عن مواجهات عسكرية أمنية مستمرة منذ 3 سنوات، وهو ما خلف عمليات نزوح مسيحية أثارت استنكارا واسعا بمصر، وذهبت تحليلات لاعتبارها "إحراجا" للسلطات و"مساسا" بهيبة الدولة.

واعتبر مفكر مصري، وخبير عسكري، توجه التنظيم المسلح الذي يتواجد عبر ذراعه جماعة "ولاية سيناء"، التي بايعته في نوفمبر/تشرين ثان 2014، نحو "الحلقة الأضعف" وهم الأقباط في سيناء، هو "هروب إلى الأمام" من مواجهة عسكرية ومأزق كبير يعيشه، عن طريق تعويض خسائره بتمدد معنوي لا يعبر عن سيطرة حقيقية.

فيما اقترح خبير حقوقي معني بالأقليات، شارك في استقبال النازحين المسيحيين القادمين من سيناء مؤخرا، البدء فورا في 3 حلول جذرية لمواجهة تلك الأزمة من بينها مراجعة السياسات الأمنية.

بينما طالب أحد العواقل السيناوية بمراجعة التهجير الحكومي المرتبط بإخلاء مناطق بسيناء الذي بدأ في عام 2014 لمواجهة الإرهاب، و"احتضان القبائل والتعرف على مطالبها وحقوقها".

مسيحيون على طريق الآلام

خلال الأسابيع الأخيرة، واجه مسيحيو مصر، ضربات متتالية من تنظيم داعش الإرهابي خلفت ضحايا، جراء تفجير ضخم بكنسية عريقة ملاصقة لمقرهم الرئيس بالقاهرة، وبدء عملية نزوح مسيحية من سيناء عقب قتل 6 منهم من جانب متطرفين، في حوادث منفصلة.


وجاء هذا بالتزامن مع بث تسجيل مصور منسوب لتنظيم "داعش" الإرهابي، في 19 فبراير/ شباط الجاري، تضمن تهديداً باستهداف المسيحيين داخل مصر، بعد أشهر من تبنيه حادث اغتيال القس روفائيل موسى كاهن كنيسة مارجرجس في العريش بسيناء، وفق رصد مراسل الأناضول.

كما أقدم شخص ملتحٍ، في شهر يناير/ كانون ثان الماضي، على ذبح مسيحي يمتلك محلاً لبيع الخمور، في محافظة الإسكندرية (شمال البلاد)، ووصف رئيس البرلمان المصري، على عبد العال، الحادث بأنه "إرهابي".

وقال عمر مروان، وزير شؤون مجلس النواب، في تصريحات صحفية بمقر البرلمان يوم الأحد الماضي، إن "118 أسرة مسيحية انتقلت من شمال سيناء (حتى ذلك اليوم)، تم تسكينهم جميعًا في 4 محافظات، هي محافظة الإسماعيلية (شمال شرق) بواقع 96 أسرة، ومحافظة القليوبية (شمال العاصمة) بواقع 8 أسر، ومحافظة أسيوط (جنوب) بواقع 12 أسرة، ومحافظة القاهرة بواقع أسرتين".

وتحرص الحكومة المصرية على إطلاق لفظتي "المتضررين" و"الوافدين" على المصريين المسيحيين القادمين من سيناء في مقابل لفظ "النازحين" في البيانات الكنسية والسياسية.

الأسباب: مأزق وإحراج وتقصير غير مقصود

جمال أسعد، المفكر والكاتب القبطي المصري، رصد 3 أسباب لما يحدث ضد مسيحيي سيناء، قائلا " السبب الأول أن التنظيم الإرهابي داعش في مأزق كبير، وأن الضغوط الأمنية ضده كبيرة، وهو يريد أن يستخدم ورقة الأقباط كآخر ورقة له بهدف إعلامي ليهرب من المواجهات الأمنية".

السبب الثاني من وجهة نظر أسعد، هو "إحراج النظام عالميا بإظهاره ضعيفا ولا يسيطر لاسيما في سيناء"، مشيرا إلى سبب ثالث وهو ما اعتبره "تقصيرا أمنيا غير مقصود"، موضحا أن "الجيش والشرطة مستهدفان مثل المسيحيين والمسلمين في سيناء وكل مكان بمصر".

واستدعى أسعد تجربة العنف في مصر للتأكيد على فكرته قائلا "هذا التنظيم يسعي لتكرار منهج الإرهابيين في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، فعندما كان يتم الضغط الأمني عليهم يتجهون نحو الحلقة الأضعف وهم الأقباط ويعتدون عليهم وهو ما تكرر أيضا بتفجير كنيسة القديسين (مطلع عام 2011) وكنيسة البطرسية (الشهر الماضي)، وتهديد الأقباط باستهدافهم في سيناء".

ولفت أسعد إلى أن ما يحياه مسيحيو سيناء ليس الأول بل متكرر في السنوات الثلاثة الاخيرة، مستدركا "لكن لم يكن بهذه الدرجة من الضحايا وعلى التوالي".

الإرهاب نحو تمدد معنوي عقب الخسائر

ومتفقا على السببين الأول والثاني، قال اللواء المتقاعد، علاء عز الدين، المدير السابق لمركز الدراسات الاستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية (حكومية)، في تصريح للأناضول، إن "الإرهابيين يهربون من مواجهة الجيش والشرطة عقب تلقيهم ضربات قوية إلى مواجهة المدنيين، وهذا يعني أنه لديهم خسائر يريدون تعويضها بتمدد معنوي وإعلامي لا أكثر".

وأضاف "الإرهاب أيضا يريد إحراج النظام لاسيما قبل زيارة مرتقبة للرئيس (المصري) عبد الفتاح السيسي لواشنطن (لم يتم تحديد موعدها بدقة بعد)، خاصة وإمكانية استغلال ما يحدث للتدليل على وجود اضطهاد للأقباط في مصر وهو غير حقيقي".

وتابع عز الدين "الإرهاب يريد أن يثير قلاقل في مصر تارة في سيناء باستهداف المصريين المدنيين هناك، وتارة بالحديث عن أزمة في النوبة (جنوب) ليزيد الفرقة ولكنها محاولات فاشلة".

وحذر المسؤول العسكري السابق من استمرار الحديث عن وجود تنظيم داعش بمصر، قائلا "ليس معنى وجود 10 أو 100 أو ألف شخص أعلنوا ولاءهم لتنظيم أنه موجود على الأرض".

وأوضح عز الدين أن "إلصاق داعش بسيناء بحسن نية أو عمد هو تمهيد لتدخل خارجي في سيناء وهذا مرفوض"، مستدركا "لكن هناك إرهابيين متواجدون والدولة تنجح في مواجهتهم وستستأصلهم جميعا والدليل هروبهم الآن باتجاه المدنيين".

على العكس، أكد الشيخ خالد عرفات، أحد عواقل محافظة شمال سيناء (لفظ يطلق على كبار ممثلي القبائل والمجتمع المحلي)، وجود تقصير أمني في سيناء، قائلا للأناضول، "التقصير الأمني الكبير هو سبب رئيسي فيما يحدث"، متسائلا "كيف يحدث ذلك مع وجود جيش وشرطة وإجراءات مشددة وإعلان حالة طوارئ مستمرة؟".

نزوح .. لافتقاد الأمان

مينا ثابت، مدير برنامج الأقليات في المفوضية المصرية للحقوق والحريات (منظمة غير حكومية مقرها القاهرة)، الذي تواجد في محافظة الإسماعيلية (شمال شرق) تزامنا مع توجه غالبية النازحين من سيناء إليها، استمع لشهادات عديدة من أهلها ويرى أن هناك "أزمة كبيرة" بالفعل في سيناء.

وقال في حديث للأناضول، "التنظيم لم يسيطر في سيناء، لاسيما العريش، ولكنه موجود ويقوم بعمليات من وقت لآخر، والمسيحيون غادروا من هناك لعدم إحساسهم بالأمن".

ورأى ثابت أن هذا التنظيم يريد أن يكرر ما حدث في السبعينيات في مصر، لاسيما في أسيوط (جنوب) مع الأعمال الإرهابية هناك التي سعت لتغيير التركيبة السكانية وتقليل المكون المسيحي.

وأوضح أن أسيوط كان بها وجود مسيحي كبير، لكن بعد الإرهاب وقتها قل المكون المسيحي مع تهجير قسري له، في ظل تيار كان يكفر المسيحيين وجزء من أفكاره استحلال دماء المصريين والقتل على الهوية.

وليس هناك إحصاء رسمي عن أعداد المسيحيين في شمال سيناء، غير أن تصريحات كنيسة رسمية تقدر تعداد أقباط مصر بنحو 15 مليونا من بين سكان البلاد البالغ عددهم 92 مليون نسمة.

3 حلول جذرية

وضع ثابت في حديث مع الأناضول، رؤية لعلاج هذا الخلل في مواجهة داعش، تنحصر في 3 حلول يعتبرها "جذرية" بقوله : "نريد وقف التعامل العنيف والإجراءات المرتبطة به ضد أهالي سيناء، لأنها سمحت لتلك التيارات العنيفة أن تنمو بين الناس وتكون لها حاضنة اجتماعية".

والشهر الماضي أعلن تجمع عشائري في العريش المصرية التي تشهد عمليات ضد المسيحيين رفضه ما أعلنته وزارة الداخلية في وقت سابق بشأن واقعة مقتل 10 من أبنائه خلال تبادل لإطلاق النار، معلنا العصيان المدني بعدم دفع فواتير الكهرباء الحكومية.

وأضاف "الأمر الثاني: يجب أن يشمل قرار مواجهة الإرهاب في سيناء حلولا غير أمنية، لاسيما على مستوى العدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر والبطالة ودعم الثقافة، بجانب أمر ثالث هام وجذري وهو إصلاح ديني شامل وليس تجديدا كما يقال".

الحلّ من وجهة نظر سيناوية لمواجهة داعش، قريب من هذا الطرح الحقوقي، حيث طالب الشيخ خالد عرفات، بـ"مراجعة قرار التهجير المستمر من 3 سنوات بقرار حكومي أيا كانت أهدافه".

ولفت إلى أن "هناك أعداد كبيرة من السيناوية خرجوا لمدن عديدة منذ فترة، وتركوا أراضيهم ومن لم يتركها الآن معظمهم من غير القادرين ماليا على التنقل أو من يرفض ترك أرضه".

وشدد عرفات على أهمية وقف ما وصفه بـ"الترهيب الأمني لأهل سيناء" مع "احتضان القبائل والتعرف على مطالبها وحقوقها، وتأمين شمال سيناء بصورة كبيرة".

وفي 2014، بدأت السلطات المصرية إخلاء منطقة الشريط الحدودي مع رفح من السكان لإقامة منطقة عازلة مع قطاع غزة قائلة إن هذا يأتي لـ"مواجهة الإرهاب".

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın