دولي

علاقات البوسنة وصربيا إلى حافة أزمة دبلوماسية

بعد تقدم البوسنة والهرسك، لدى محكمة العدل الدولية في لاهاي، من أجل فتح دعوى قضائية مجددا ضد صربيا لمحاكمتها على خلفية "إبادة جماعية"

Sami Sohta, Hişam Şabani  | 27.02.2017 - محدث : 28.02.2017
علاقات البوسنة وصربيا إلى حافة أزمة دبلوماسية

Istanbul

إسطنبول/ يحيى محاصلوفيتش/ الأناضول

تسبب تقدم البوسنة والهرسك، لدى محكمة العدل الدولية في لاهاي، الخميس الماضي، من أجل فتح دعوى قضائية مجددا ضد صربيا لمحاكمتها على خلفية "إبادة جماعية"، في انزلاق العلاقات بين البلدين الجارين إلى حافة أزمة دبلوماسية.

محكمة العدل الدولية، اتخذت قرارا في 2007 أخرجت بموجه صربيا من دائرة ارتكاب جرائم حرب، وعللت قرارها بـ "نقص الأدلة"، الأمر الذي اعترض عليه عضو المجلس الرئاسي في البوسنة والهرسك، بكر عزت بيغوفيتش، وأكد أنهم سيعاودون التقدم بطلب لدى المحكمة مجددا.

ولكن كان على البوسنة الانتظار 10 أعوام من تاريخ نفاذ القرار، لتتمكن من التقدم بطلب مماثل لدى محكمة العدل الدولية.

لا شك أن حملة بيغوفتيش الأخيرة، لقيت اهتماما كبيرا لدى بلغراد (عاصمة صربيا) ولكن الصدى الأكبر سيكون عند بانيا لوكا (عاصمة جمهورية صرب البوسنة)، سيما وأن محللون يرون أن اتخاذ بيغوفيتش قرارا كهذا، يأتي ردا على خطوات أقدمت عليها بانيا لوكا في الفترة الأخيرة من شأنها أن تخلق الفرقة في البلاد .

ولكن سبب توجه البوسنة إلى محكمة العدل الدولية، لا يقف عند رد بيغوفيتش على جمهورية صرب البوسنة، فهنالك أسباب أخرى قابعة وراء استخدام بيغوفيتش والساسة البوسنيين، الحق في تجديد مطالبهم لدى المحكمة لمقاضاة الصرب.

ومن بين تلك الأسباب، صراع القوى الراهنة بين قوى لديها ثقل في منطقة البلقان، كالاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، وروسيا.

- الدوافع السياسية القابعة وراء قرار لاهاي قبل 10 أعوام

منعت لاهاي قبل عقد، من تحميل صربيا المسؤولية القانونية عن جرائم إبادة جماعية، وقعت في البوسنة والهرسك في التسعينات، ما أثار انزعاجا كبيرا لدى البوسنيين المسلمين (ويعرّفون أنفسهم بالبوشناق) الذين يشكلون أكثر من نصف عدد سكان البوسنة والهرسك، فقدوا أكثر من 100 ألف ضحية في المجازر التي حصلت بالبلاد.

فالبوشناق، لديهم شكوك بقرار محكمة العدل الدولية، ويعتقدون أن القرار لم يكن حياديا، واتخذ بما يتوافق مع الظروف الجيوساسية والسياسية في ذلك الوقت.

وفي العقد الأول من الألفية الثالثة، كان ينظر المجتمع الدولي إلى صربيا، على أنها "الطفل المدلل والمثير للإزعاج" في المنطقة، وكانت (صربيا) تحافظ على موقعها في أجندة القوى الكبرى التي تحاول حل أزمة المنطقة.

بحسب المجتمع الدولي، كان دمج صربيا بالاتحاد الأوروبي، والناو، بعد الجهود السياسية، سيجلب الاستقرار إلى المنطقة.

ولكن المجتمع الدولي، أدرك أنه يحتاج لمزيد من المبادرات لكبح جماح صربيا "المدللة"، عقب اعترافه باستقلال كوسوفو (2008).

- توازن القوى الإقليمية والدولية

علينا تحليل الأبعاد المختلفة للعلاقات السياسية في منطقة البلقان، من أجل فهم قرار لاهاي.

وينبغي أخذ قرار البوسنة والهرسك بالذهاب إلى محكمة العدل الدولية مجددا، من زاويتين مختلفتين، الأول من ناحية توازن القوى في المنطقة، والثانية صراع القوى الكبرى الدولية في منطقة البلقان.

وعلى المستوى الإقليمي، من اللافت ارتفاع وتيرة الخطابات القومية للصرب في البوسنة والهرسك، في الأشهر الأخيرة.

وفي 25 سبتمبر/أيلول الماضي نظم مواطنو صرب البوسنة استفتاء من أجل الاحتفال بـ "يوم الجمهورية" في 9 يناير/كانون الثاني، حيث أيد 99.811 بالمئة من المصوتين إجراء الاحتفال، على الرغم من قرار المنع الصادر عن المحكمة الدستورية في البلاد.

وعلى الرغم من احتجاجات سياسيي البوسنة على قرار بانيا لوكا، غير أنها لم تتجاوز الاحتجاجات الشفوية، وإدانة هذه الخطوة التي تستهدف وحدة الأراضي البوسنية.

وقرار بكر عزت بيقوفيتش، بطرق أبواب محكمة العدل الدولي، جاء ردا على الاستفتاء الذي جرى في جمهورية صرب البوسنة.

وإحدى النقط الهامة التي يتوجب الوقوف عندها، هي عدد سكان البلاد، التي تحتاج 3 سنوات من أجل إعلان نتائجها بعد علمية المسح.

وأعلن القادة البوسنيين نتائج إحصائية عام 2013، بالرغم من معارضة صرب البوسنة، فكان بمثابة أول إحصائية رسمية في تاريخ البلاد.

وأظهرت نتيجة الإحصاء أن عدد البوسنيين المسلمين يتجاوز الـ 50 بالمئة من عدد البوسنة والهرسك، مقابل الكروات والصرب.

وبالنظر إلى نتائج الإحصاء السكاني، فإن محاولات إعادة النظر في قرار محكمة لاهاي، لا تشكل عنصر تشجيع للسياسيين البوسنيين فقط، بل هي بمثابة استعراض للقوة في مواجهة التهديدات بالانفصال الصادرة عن السياسيين الصرب، والحراك المبذول في إطار تهديد سلامة ووحدة أراضي الدولة.

قرارات لاهاي من وجهة نظر الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)

لفهم تبعات الخطوة المتخذة من قبل لاهاي، لا بد من النظر إلى الأبعاد الدولية للقضية. ذلك أن العديد من القرارات المتخذة بشأن منطقة البلقان، المكونة من دول قومية صغيرة، يتم اتخاذها من مراكز قوة خارج المنطقة. كما أن تلك القرارات ترتبط بمجريات عملية انضمام عواصم المنطقة إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. ففي الأمس القريب أصبحت كرواتيا عضوًا في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الاطلسي، فيما أصبحت ألبانيا العضو الجديد في الحلف. أما البلدان الأخرى في المنطقة فهي تتجه نحو تلك التحالفات جاعلة العضوية فيها كأحد أهدافها الوطنية. وبسبب النفوذ الذي يملكه الاتحاد الأوروبي والناتو في المنطقة، فإن إقدام الساسة في البوسنة على اتخاذ خطوة تجاه التشكيك في قرار محكمة لاهاي، ستلقى دون أدنى شك اهتمام هذه المؤسسات.

الصراعات التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة، ألقت بظلالها على المنطقة. فالأزمة الأوكرانية ومسألة القرم و"الحرب الباردة" بين الأطلسي وروسيا، تتابع في البلقان عن كثب، ويقوم بعض الساسة باتخاذ قراراتهم وفقًا لهذا التجاذبات. فقرب رئيس جمهورية صربيا ميلوراد دوديك من موسكو تثير قلق الاتحاد الأوروبي والدول والمؤسسات الغربية الأخرى. فالساسة الغربيون، لا يستبعدون تحول جمهورية صربيا إلى قمر يدور في فلك بوتين، ويستعدون لبذل قصارى جهودهم لمنع ذلك.

ومع اشتداد الأزمة بين الغرب وموسكو، تقل الخيارات أمام الرئيس الصربي. يدرك ساسة البوسنة هذا التحول وتلك التطورات، ويعملون على الاستفادة من الظرف الحالي للتشكيك بقرارات لاهاي التي يرون أنها "جائرة"، متبعين سياسة واقعية على هذا الصعيد. ذلك أن اعتراف المحكمة الدولية بعمليات الإبادة الجماعية التي ارتكبتها صربيا، ستضع دوديك وتوجهاته القومية وصربيا ككيان أمام وضع حرج للغاية.

وعند النظر في هذه الاحتمالات، يجب أن لا نهمل حقيقة هي أن صربيا الآن كما منطقة البلقان، لم تعد ذلك الكيان الذي كان موجودًا عام 1990 أو عام 2000، كما أنها لم تعد ذلك البلد الذي يعتبر مصدر "الإشكاليات" في المنطقة. بل هو كيان وجه بوصلته نحو بروكسل وانخرط في فلك المنظومة الأوروبية، فضلًا عن أنه يسعى في هذه الآونة لإظهار تخليه عن السياسات السلبية والعدوانية. لا شك في أن بيغوفيتش وأصدقائه، يدركون أهمية الدعم الدولي فيما يتعلق بإمكانية إعادة النظر بقرار لاهاي، وإلا فستكون محاولاتهم عبارة عن "مغامرة".

من ناحية أخرى، هناك سؤال منطقي لا بد أن يؤخذ في عين الاعتبار: ما الذي سيدفع القوة التي أثرت على قرار لاهاي عام 2007 لتغيير رأيها الآن؟. سيما أن التصور المشترك والسائد بعد عشر سنوات، يرسم صورة إيجابية عن قدرة صربيا على أن تكون مثالًا ناجحًا للاندماج في الاتحاد الأوروبي، وأصحاب القرار سوف يضطرون في أي قرار جديد للاختيار بين سراييفو وبلغراد.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.