السياسة, دولي

معركة الانتخابات الرئاسية في إيران ومستقبل روحاني (مقال رأي)

بقلم "سليم جلال"، مختص في الشؤون الإيرانية

19.04.2017 - محدث : 20.04.2017
معركة الانتخابات الرئاسية في إيران ومستقبل روحاني (مقال رأي)

Istanbul

إسطنبول/ سليم جلال/ الأناضول

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في إيران، ما زال المحافظون يبحثون عن مرشحهم المناسب لخوض غمار المعركة الانتخابية المزمع إجراؤها بعد عدة أسابيع.

وبحسب الأنباء الواردة من داخل أروقة المحافظين، فإنّ هناك خلافات كبيرة بين أعضاء هذا الجناح فيما يخص تحديد الاسم الذي سيقدمونه كمرشح للانتخابات الرئاسية.

وكما جرت عليه العادة في الانتخابات السابقة، فإن من المتوقع أن يخوض المحافظون الاستحقاق الانتخابي القادم بأكثر من مرشح.

وعلى الرغم من الادعاءات التي شغلت طهران خلال الفترة الأخيرة حول عزم الإصلاحيين إبراز مرشحهم الخاص للانتخابات الرئاسية بدل تقديم الدعم للمحافظ المعتدل حسن روحاني، إلّا أنّ التطورات الأخيرة الحاصلة في الداخل الإيراني تشير إلى استمرار الجناح الإصلاحي في دعم روحاني.

بالمقابل، فإنّ التوافق الحاصل بين المعتدلين والإصلاحيين من جهة، والانشقاقات الموجودة داخل أروقة المحافظين من جهة أخرى، لا يعني أنّ روحاني سيحقق انتصاراً ساحقاً في الانتخابات المقبلة، فروحاني يواجه صعوبة كبيرة والمحافظون يعولون على هذه الصعوبات.

فما هي هذه الصعوبات وكيف ستؤثر على نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران؟

لفهم الصعوبات التي تواجه روحاني في الانتخابات المقبلة، علينا النظر إلى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي سبقت انتخابات عام 2013، ومقارنة تلك الأوضاع بالأوضاع الراهنة.

ففي عام 2013 كان الوضع الاقتصادي في البلاد متدهوراً، بسبب الأزمة النووية التي ألقت بظلالها على العديد من القطاعات الاقتصادية، وصورة طهران على الصعيد العالمي كانت سيئة آنذاك.

والعديد من الصحفيين والسياسيين ونشطاء المجتمع المدني كانوا يقبعون في سجون طهران، بينما كانت الأقليات الدينية والعرقية تتعرض للكثير من المضايقات.

في ظل هذه الأوضاع ظهر روحاني بوجه بشوش، ومواقف معتدلة كمرشح لرئاسة إيران، ومن أهم العوامل التي حملت روحاني إلى سدة الحكم في البلاد، أنه عمل كبيراً للمفاوضين الإيرانيين حول الأزمة النووية، وحصل حينها على لقب "شيخ الدبلوماسيين".

واستخدم المفتاح كرمز لحملته الانتخابية وأطلق عليه اسم "المفتاح الرئيسي للحكمة"، وإدّعى أنّ سيحل كافة مشاكل إيران عبر المفتاح المذكور.

ومن خلال وعوده الانتخابية استطاع روحاني أن يقنع الجناح الإصلاحي وحصل على دعمهم،، كما تمكّن من إقناع المحافظين على أنّهم لن يتمكنوا من إيجاد مرشح للانتخابات الرئاسية أفضل منه.

- روحاني لم يستطع تحقيق وعوده

على الرغم من وعوده الانتخابية الكثيرة إلّا أنّ البلاد لم تشهد تغيراً مهماً، وبحسب النشطاء السياسيين فإنّ الانفتاح السياسي في إيران يتمثّل بإخلاء سبيل زعماء حركة الخضر، غير أنّ روحاني ناهيك عن إطلاق سراحهم، لم يستطع إقناع أحد بوجوب محاكمة هؤلاء الزعماء في المحاكم ولو بشكل رمزي.

ومع التدخل الإيراني الفعلي في الحرب الدائرة في سوريا، فإنّ صورة إيران زادت سوءًا في المحافل الدولية.

وكان روحاني قد وعد أنصاره قبيل انتخابات 2013، بأنه سيرفع من شأن جواز السفر الإيراني. لكن هذا الجواز فقد قيمته عندما فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حظراً على حاملي جواز السفر الإيراني، ومنعهم من دخول بلاده.

- الركود الاقتصادي والمشاكل الهيكلية

نحج الرئيس الإيراني حسن روحاني في التوصل إلى اتفاق مع المجتمع الدولي حول البرنامج النووي لبلاده، وكان الإيرانيون ينتظرون بفارغ الصبر انعكاسات هذا التفاهم على اقتصاد البلاد.

ورغم محاولات روحاني في إقناع الشارع بأنّ المؤشرات الاقتصادية في البلاد تسير بشكل إيجابي، إلّا أنّ عامة الشعب غير راضٍ عن الأداء الاقتصادي لروحاني خلال الفترة التي أعقبت الاتفاق النووي، لا سيما أنّ القناعة السائدة لدى الجمهور، تقول بأنّ الاتفاق النووي لم يظهر تأثيره بشكل واضح على الاقتصاد الحقيقي، ولم يلمسوا نتائج هذا الاتفاق بأيديهم.

ومن أهم العوامل التي ساهمت في انتشار هذه القناعة بين سائر المواطنين، مايلي:

أولاً، عمد روحاني إلى تقديم الوعود الرنانة من أجل كسب الدعم الجماهيري والتغلب من خلال ذلك على الشريحة المعارضة للاتفاق النووي، وهذه الوعود الرنانة التي صدرت من روحاني بقصد أو بغير قصد، ساهمت في انتشار فكرة فشل الاتفاق النووي في تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد.

ثانياً، لم يستطع روحاني أن يقول للشعب بأنّ معظم المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها إيران ليست مرتبطة بالعقوبات الدولية المفروضة عليها، إنما هي ناتجة عن المشاكل التي تشوب هيكلية الاقتصاد الإيراني، وبالتالي عندما استمرت المشاكل الاقتصادية عقب الاتفاق النووي، فإنّ الشارع أصر على فكرة عدم جدوى الاتفاق في حل مشكلاتهم.

ثالثاً، فشل روحاني في إقناع الشارع الإيراني بأن العقوبات المفروضة على بلاده بشكل عام، تختلف عن العقوبات المفروضة بسبب البرنامج النووي، مع العلم أنّ العقوبات التي تمّ رفعها، هي تلك المتعلقة ببرنامجها النووي، بينما العقوبات الأخرى ما زالت مستمرة.

- ضعف نسبة المشاركة لن يكون في مصحلة روحاني

يمكننا القول إن التحدي الأساسي أمام الرئيس روحاني هو اقناعه الناخب الإيراني بأن يقطع عطلته الأسبوعية ويقف على طابور انتخابي كي يمنحه فرصة أخرى.

ويمكن لروحاني أن يأمل بالفوز في حال كانت المشاركة في الانتخابات مرتفعة، لكن حتما سيكون ضعف المشاركة ليس من مصلحته، أي أن فوز روحاني مرتبط في مدى اقناعه الناخبين الإيرانيين بالتوجه إلى صناديق الاقتراع.

في هذا السياق، يشكل الرئيس الإيراني الأسبق الإصلاحي محمد خاتمي مثالا جيدا لذلك، فقد فاز خاتمي في انتخابات 1997، بعد أن حصل على أصوات 20 مليون ناخب، ونجح في الفوز بانتخابات 2001 أيضا، بعد أن حصد أصوات 21 مليون ناخب، يعني أنه لم يحافظ على أصوات قاعدته الانتخابية فحسب، بل وسعها أكثر في الوقت ذاته.

في المقابل، لم ينجح مرشح الاصلاحيين في انتخابات 2005، هاشمي رفسنجاني، باقناع الناخبين للتوجه إلى صناديق الاقتراح، ما أدى لخسارته أمام منافسه مرشح المحافظين أحمدي نجاد.

وهناك بعض المؤشرات المتاحة حاليا حول فشل روحاني في تعبئة الناخبين للانتخابات، فمثلا، في فبراير/ شباط الماضي، أجرى روحاني زيارة لمحافظة "سيستان وبلوشستان"، ذات الغالبية السنية، التي حصد فيها على 73% من أصوات الناخبين، خلال انتخابات 2013. ولم يتوجه سوى 6 آلاف شخص لاستقبال روحاني، رغم دعوات زعماء السنة في المحافظة للمشاركة في استقباله.

من جهة أخرى، يأمل المحافظون أن سوء الوضع الاقتصادي في البلاد وفضائح تلقي بعض المواظفين رواتب خالية، سيدفع بالناخبين للبقاء في منازلهم بدلا من تحمل عبء التوجه إلى صناديق الاقتراع.

وتشهد أنحاء مختلفة من البلاد مظاهرات ضد الحكومة على خلفيات تأخر دفع الرواتب وتحديات اقتصادية أخرى، فضلا عن اضراب العمال بشكل منتظم.

ويسمح النظام القائم لتلك المظاهرات، رغم أن إيران بلد يقمع المتظاهرين بيد من حديد، ما يعني أن النظام المذكور في إيران لا يشعر بحرج فيما يتعلق بالمساهمة في اظهار صورة حكومة روحاني على أنها فشلت في الوفاء بوعودها الاقتصادية والاجتماعية.

كما يجب اضافة غياب الرئيس الإيران الأسبق، هاشمي رفسنجاني، على قائمة مساوئ روحاني، لا سيما وأن رفسنجاني لعب دورا محوريا في تحقيق اتفاق بين المعتدلين والاصلاحيين في انتخابات 2013، ما أدى لحصول روحاني على المزيد من الأصوات في الانتخابات المذكورة.

- المحافظون يعلقون آمالهم على الجولة الثانية من الانتخابات

إذا فشل الرئيس الروحاني في جذب الناخبين إلى صناديق الاقتراع، سيكون مصير الانتخابات الذهاب إلى جولة ثانية، وهذا سيشكل وضعا ملائما جدا بالنسبة لتيار المحافظين.

وترك مصير الانتخابات للجولة الثانية، سيعود بالفائدة على المحافظين في نقطتين، الأولى سيزعزع ثقة روحاني بنفسه، والثانية سيرفع من معنويات المحافظين، وهذ ما سيعطي شرعية للمحافظين الذين يعانون من أزمة شرعية عند الشعب، وسيتمكن المحافظون من توحيد الناخبين خلف مرشح واحد في الجولة الثانية، وسيجدون (المحافظون) فرصة المنافسة الندية في مضمار السباق مع روحاني.

- روحاني متفاءل من "الناخبين المترددين"

وأخيرا، هناك نقطة لا تقل أهمية عن النقاط التي ذكرناها آنفا، وهي مسألة "الناخبين المترددين" الذين يقدرون بأعداد كبيرة، والناخبون المترددون هم الذين يصوتون لصالح مرشح ما ليس حبا به، إنما رغبة بعدم فوز المرشح الأخر في الانتخابات.

والكتلة الأخرى التي يعتمد عليها الرئيس الروحاني هي هذا الصنف من الناخبين على وجه الخصوص، وتحديدا بعد ترشيح الجناح المحافظ لإبراهيم رئيسي للانتخابات، حيث من المتوقع أن يصوت الناخبون المترددون ضد رئيسي، والسبب في ذلك أن بعض الأطراف السياسية تلقبه بـ "آية الله الجزار" لعضويته لجنة (تعرف لدى الشعب بـ "لجنة الموت") حكمت على آلاف المعارضين السياسيين بالإعدام الجماعي في ثمانينيات القرن الماضي.

------------------------------------------------------------

** هذا المقال يعبر عن رأي صاحبه، وقد لا يعكس السياسة التحريرية للأناضول

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.